وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ تُظهر التطورات الأخيرة في سوريا أن هذا البلد لم يعد مجرد ساحة أزمة داخلية، بل تحول إلى مسرح للتنافس الجيوسياسي بين الفاعلين الإقليميين. وفي خضم هذا الصراع، لا يلعب الشعب السوري دوراً حاسماً فحسب، بل يدفع ثمن هذه الصراعات بأرواحه ووجوده.
الحرب بالوكالة؛ صراع النفوذ بين تركيا والكيان الصهيوني
يتجسد التصادم الرئيسي اليوم في سوريا بين قوتين إقليميتين: تركيا والكيان الصهيوني. إن الغارات الجوية المتكررة للكيان الصهيوني على مواقع قوات جولاني - الذراع النيابي لأنقرة في سوريا - تحمل في جوهرها رسالة إلى رجب طيب أردوغان مفادها: "في لعبة النظام الإقليمي الجديد، لا تمدد رجلك إلا بمقدار فراشك!".
لم تعد هذه الصراعات ذات طبيعة عرقية أو دينية، ولا تنبع من الانقسامات التقليدية داخل سوريا؛ بل هي متجذرة في السعي لصياغة المستقبل الجيوسياسي لغرب آسيا. في هذا الإطار، دخلت مدينة السويداء كمركز استراتيجي حاسم في بؤرة الصراع.
السويداء؛ قطعة حساسة على رقعة الشطرنج الإقليمية
تركيا تدرك جيداً أن تقسيم سوريا يشكل تهديداً مباشراً لوحدة أراضيها. إعلان الحكم الذاتي في السويداء قد يشعل شرارة سلسلة تقسيم سوريا، ويمهد الطريق لحكم ذاتي للأكراد والعلويين. وهو أمر يهدد الأمن القومي التركي فعلياً ويبدد خطط أنقرة للنفوذ في شمال سوريا.
على الجانب الآخر، يولي الكيان الصهيوني اهتماماً خاصاً بالسويداء. تقارب دروز المنطقة عرقياً مع الفلسطينيين وارتباطهم بجماعات في الأراضي المحتلة، يمنح إسرائيل ورقة نفوذ مهمة. التخلي عن السويداء يعني بالنسبة للكيان الصهيوني خسارة رافعة استراتيجية للسيطرة على مستقبل دمشق.
مشروعان، مساران، هدف واحد: الهيمنة على مستقبل المنطقة
تتقاطع سوريا الآن بين خطتين كبريين؛ لكل منهما أهداف تتجاوز الحدود الوطنية.
1. طريق التنمية: حلم العودة إلى الإمبراطورية العثمانية
مشروع يبدأ من ميناء الفاو على الخليج العربي، يعبر معبر أوفاكوي الحدودي إلى تركيا، وأخيراً يتصل بأوروبا. يمثل هذا الطريق جزءاً من الاستراتيجية الكبرى لتركيا لترسيخ موقعها الجيوستراتيجي. وقد أكد أردوغان مراراً:
> "تركيا ليست مجرد دولة جيوسياسية، بل هي جزيرة ثقة جيوستراتيجية."
2. خط السلام (ممر داوود): حلم "من النيل إلى الفرات"
المشروع الآخر الذي تقوده إسرائيل، يمتد من تل أبيب إلى الحسكة عبر مسار الجولان والسويداء والتنف والمناطق الشرقية السورية. الهدف النهائي هو تحقيق الحلم الصهيوني القديم بفرض نفوذ جيوسياسي من النيل إلى الفرات؛ حلم يتحقق الآن خطوة بخطوة.
انسحاب تكتيكي أم هزيمة استراتيجية؟
إعلان وقف إطلاق النار وإنكار تورط "جولاني" في أحداث السويداء، يشير بوضوح إلى خوف أنقرة من بدء عملية تقسيم سوريا. هذا الموقف ليس صادراً عن قوة، بل يعكس محاولة لإدارة غضب الكيان الصهيوني والحفاظ على استقرار مؤقت في منطقة شديدة التقلب.
لكن الحقيقة أن مستقبل سوريا بات أكثر غموضاً من أي وقت مضى. السويداء قد تكون حلقة واحدة فقط في سلسلة معقدة. إذا بدأت عملية التقسيم، فلا ضمان لوقفها، وستكون النتيجة تعميق الفقر والنزوح وانعدام الأمن للشعب السوري.
تحليل الكاتب محمد كاظم كاظمي المتخصص في الشؤون الدولية
تعليقك